غرس القيم الدينية والتربوية وبناء الإنسان

المدونة

المعايشة التربوية

المدونه

المعايشة التربوية

المعايشة التربوية

هناك عدد من الوظائف الخاصة بالتربية في الإسلام وتتلخص في أولا التخلص من الصفات الغير محمودة المتواجدة في الفرد وثانيها هو التأكد من تثبيت الصفات الحميدة المتواجدة والعمل على تنميتها، والوظيفة الأخرى هي اكتساب صفات جديدة غير متوفرة من الأساس ويحث عليها المنهج الإسلامي، ولا يمكن تحقيق هذه الوظائف إلا بالمعايشة التربوية والتي تحدد الصفات الحسنة والسيئة المتواجدة في الفرد، وسوف نوضح في هذا المقال مفهوم المعايشة التربوية وفوائدها والإجراءات الخاصة بتنفيذها وكذلك مساوئها.

ما هي المعايشة التربوية

  • تعتبر المعايشة التربوية هي إظهار استعداد الشخص المربي لاستقطاب الأشخاص وتوفير معايشة معهم والتحدث من أجل حل مشاكلهم.
  • يجب على المربي أن يشعر المتربين بتواجد المكان والزمان المناسب لكي يتم حل مشاكلهم،  ويتم تحديد الوقت مثل ساعة في المنزل أو ساعة في المكتبة أو يوم محدد من الأيام من أجل التسهيل على المتربين.
  • يمكن للمربي أن يكون على تواصل مع المتربين بشكل هاتفي أو كتابي، وتوفير وسيلة نقل مثل السيارة في أوقات الحاجة إليها.
  • ملخص المعايشة التربوية هي أنها تعتبر كل الأمور التي يقوم بإظهارها المربي للتأكيد على استعداده للتواصل مع المتربين والقرب منهم من أجل تربيتهم وحل جميع مشاكلهم.

اقرأ المزيد عن: بناء شخصية الطفل على الاستعلاء الايماني

أهمية المعايشة التربوية

  • تتضح أهمية المعايشة التربوية في استمرارها بشكل كبير وعدم انقطاعها، حيث أن المتربي يجب دائما ألا يقوم باقتصار الجلسات على مرة أو مرتين، ولكن لا بد من الجلسات المستمرة لحل مشاكله. 
  • يجب أن يقوم المربي بمساعدة المتربي في جميع شؤون حياته،  وليس فقط يكون الأمر قاصر على اللقاءات التي تخص التربية لأن ذلك يؤثر تأثير حقيقي في نفس المتربي.
  • ومن آثار هذه المعايشة أن الطرفين يقومان باكتساب الكثير من الود بينهما، وتبدأ رهبة المقابلات الأولى في الزوال، ويستطيع كل فرد إبداء رأيه بدون خوف أو تردد.
  • من أهمية المعايشة أيضا أن دائرة التشاور بين الأشخاص تتسع، حيث يمكن أن تشمل لقاءات أخرى مع إخوانه، ويمكن معرفة جميع رغبات وقدرات جميع الأشخاص والعمل على حلها.
  • المعايشة أيضا تعمل على تحقيق جميع أركان الأسرة سواء التفاهم بين أفرادها والتكافل والتعارف، وإكساب الأشخاص مهارات وخبرات.
المعايشة التربوية

المربي الأول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

  • كان النبي محمد هو الأوفر حظا في مجال المعايشة التربوية، وكان هو رائد هذا المجال، حيث أنه تم بعثه ليكون معلما وكان يجلس مع طلابه لتقديم العلم لهم.
  • كان النبي محمد يجلس مع كل تلاميذه وأصدقاءه في أي مكان سواء في المنزل أو في الطريق أو في السوق، وكان يستقبلهم ويجيب على جميع تساؤلاتهم، ولا يحجب أي علم عنهم، ودائما ما يقدم لهم المعلومة بكل ابتسامة.
  • قال صلى الله عليه وسلم ” المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
  • قال جرير بن عبدالله البجلي ذات يوم أن الرسول الكريم لم يبخل عليه في يوم بأي معلومة، ودائما ما يبتسم في وجهه عندما يراه.
  • كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمد على المعايشة في التواصل مع المتربين من أجل التقرب منهم والتأثير في كل جوانب حياتهم، حيث كان يعلم كل شيء عنهم من خلال اسم كل واحد فيهم واسم قبيلته وتاريخه، والمستوى العام له سواء الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي.
  • كما كان الرسول الكريم يعرف صحتهم ومرضهم، وإقامتهم وسفرهم، ومستواهم العلمي والديني والنفسي وكل شي يخصهم، ويتحاور معهم في كل شي.

فوائد المعايشة التربوية

هناك العديد من الفوائد الخاصة بـ المعايشة التربوية والتي يحصل عليها المربي، وهي كالتالي:

  • حصول المربي على الأجر والثواب من الله: ويتضح ذلك في حديث رسول الله عن مخالطة الناس والذي سبق ذكره، حيث أن صبر المربي على المتربين يمنحه فضل عظيم من الله عز وجل. 
  • تهذيب أخلاق المربي: حيث أن المعايشة تجعل المتربي يأخذ المربي قدوة له مما يؤدي إلى زيادة تهذيب خلق المربي، وجعله يتطور بشكل حقيقي حتى يستطيع أن يترك أثر كبير في نفس المتربي.
  • اكتشاف طاقات المتربي: حيث يمكن للمربي أن يعرف كل قدرات المتربي والطاقات التي تناسبه، ويتم توفيق هذه القدرات في مكانها الصحيح، ومن ثم وضع الشخص المناسب في موقعه المناسب.
  • التعرف على جوانب الضعف في المتربي والعمل على علاجها بالشكل المناسب: وذلك حتى يستطيع التغلب على مشاكله ونقاط ضعفه ويمكن تحويلها إلى نقاط قوة، وهذا يتضح في معايشة الرسول محمد لأصحابه، حيث استطاع معرفة جميع نقاط قوتهم وضعفهم، وعمل على أن يجعلهم يتجاوزون نقاط ضعفهم.
  • تقويم المتربي بالشكل الصحيح: حيث يحتاج الشخص المربي إلى بعض الوقفات التقويمية في مسيرة المتربي التربوية وذلك من اجل رقي هذه المسيرة، حيث أن الشخص المربي هو أقرب الأشخاص للمتربي بسبب مخالطته له ومعايشته والقرب منه بشكل كبير.
  • معرفة خصائص المتربي النفسية: حيث أن نفوس الأشخاص تختلف وكذلك خصائصها تختلف هي الأخرى، ولكن الشخص المربي هو الذي يستطيع التعرف على نفوس الأشخاص المتربين، ويمكنه ذلك من معرفة الأسلوب الخاص لكل شخص وكيفية التعامل معه، ولذلك دائما ما يتم توجيه المربي بأن لزاما عليه أن يكون ملم بكل خصائص المتربي النفسية حتى يمكنه التعامل معهم وتربيتهم بالشكل السليم عن طريق مخالطتهم عن قرب.
  • حل مشاكل المتربي الأسرية: وهذا هو أحد مهام المربي والبرنامج التربوي الذي يقدمه للمتربي، حيث يجب عليه مساعدته في الاستقرار الأسري من أجل تحقيق نتيجة إيجابية في النهاية، حيث أن تواجد أي مشاكل في الأسرة الخاصة بالمتربي سوف تؤثر على حياته، لذلك يجب على المربي المعايشة مع المتربي بشكل كبير ومعرفة اهتماماته ومشاكله والعمل على حلها، وهذا ما كان يفعله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان حريص على القرب من أصحابه وحل مشاكلهم والجبر بخاطرهم.

خطوات المعايشة التربوية

أسس المعايشة التربوية

هناك عدد من الخطوات يجب أن تحدث من أجل نجاح المعايشة التربوية بعد أن تتحول المعايشة من الكلام النظري إلى العملي، وتتضح هذه الخطوات في التالي:

  • توطيد العلاقة والصلة بين المربي والمتربي، والابتسام في وجهه والتواصل معه سواء هاتفيا أو الذهاب إلى بيته والسؤال عنه في حالة تأخره أو غيابه، وتبادل الأحاديث مع والجلوس بجواره أثناء المقابلة.
  • مرافقة المتربي في أداء الشعائر الدينية والصلاة معه وحديثه على الصيام سويا، والذهاب في الجنائز وتأدية الحج والعمرة سويا.
  • المشاركة الوجدانية مع المتربي، حيث يتم مشاركته في أفراحه وأحزانه ونجاحه وزواجه، وحدوث أي أمر لديه وزيارته في مرضه أو إذا فقد عزيز لديه ومواساته.
  • إشعار المتربي أن له قيمة كبيرة لديه والذهاب معه من أجل التنزه والاستماع لكل مشاكله وهمومه، والسعي في حل جميع حاجاته واحترام رأيه.
  • مرافقة المتربي في الدروس العلمية والمحاضرات الشهرية ومعارض الكتب وأي أمر يوطد العلاقة بينهم.

مساوئ المعايشة التربوية بكثرة

هناك بعض المساوئ والسلبيات الخاصة بكثرة المعايشة، وذلك كما يقال أن الشيء عندما يزيد عن الحد ينقلب إلى الضد، ودائما ما يعرف أنه في حالة لم يتم ضبط المعايشة بشكل تربوي محكم فإنها قد تصبح نقمة في وقت من الأوقات، وهذه المساؤي تتضح في التالي:

  •  من الممكن أن تؤدي زيادة الألفة بين المربي والمتربي إلى سقوط التكليف بينهما مما قد يزيد من المتاعب في المستقبل.
  • قد يتحول المتربي من مرحلة التأثر من المربي إلى مرحلة النقد، وهذه مرحلة قد تؤدي إلى مشاكل كبيرة بينهم، حيث يمكن أن يتجاوز المتربي الحدود مع المربي الخاص به.
  • قد تصل المساوئ إلى عدم تواجد استجابة من المتربي بعد هروب عملية التربية من يد المربي، ولا يستطيع السيطرة على الأمر بعد ذلك.

ضوابط المعايشة التربوية 

هناك بعض الضوابط الخاصة بتطبيق مفهوم المعايشة على أرض الواقع والتي يجب توضيحها من أجل تطبيق المبدأ التربوي الرائع، ولكي يكون الشخص المربي على علم بكل الأمور، ولا يحدث له أي زيادة أو نقص في عملية المعايشة من أجل أن يحقق دوره المنشود في النهاية تجاه المتربي، وهذه الضوابط كالتالي:

  • يجب ألا تسبب المعايشة تعلق مذموم للمربي، حيث أن التربية يجب أن يتم تركيزها على توثيق صلة العبد بربه والمنهج الإسلامي القويم وعدم التعلق بالبشر، وقد يؤدي تعلق المتربي بالمربى إلى أشياء غير محمودة في ظل ارتباط المتربي به بشكل كبير مما يجعله يستجيب له في الكثير من الأمور، لذلك يجب على المربي أن يفهم هذا الأمر بشكل واضح، ويقوم بتقريب المتربي من الله وأن يحول تعلقه بالشخص إلى تعلقه بالله عز وجل حتى يستفيد في النهاية ويدخل الجنة وهي أفضل الأماني التي نعيش عليها في حياتنا.
  • ألا تكون التربية الجماعية متغلبة على التربية الفردية، حيث أن عملية التربية تعتمد على عنصرين وهما التربية الفردية والتربية الجماعية، وفي حالة كانت المعايشة تسير على هذين العنصرين فإنها سوف تصل إلى مبتغاها في النهاية، وإذا كانت المعايشة مع المتربي تعتمد بشكل كبير على التربية الجماعية فهذا يجعل التربية يعتمد على هذا العنصر فقط مما بسبب بعض الثغرات في شخصيته، وقد يفقد إخوانه في وقت من الأوقات، ويجد نفسه وحيدا في يوم من الأيام، لذلك يجب على المربي أن يتفهم هذا الأمر ويحدث توازن في تطبيق المعايشة الجماعية مع الفردية وتعزيز قيمة التربية الفردية وأنها لا تقل عن الجماعية بأي حال من الأحوال.
  • يجب ألا تطول المعايشة بدرجة تصل إلى أن المتربي يتجرأ على المربي الذي يقدم له المعايشة التربوية، حيث ان طول المعايسة من الممكن ان يذيب الثلج بينهما ويكسؤ الحاجة بينهمت ممت قد يؤدي إلى سقوط هيبة المربي أمام المتربي، لذلك يجب على المربي أن يفهم هذا الأمر ويعرف أن شخصيته يجب ألا تذوب مع المعايشة، حيث من اللازم عليه معرفة أن التربية والتوجيه هما الأساس، ولكن دون التخلي عن شخصية القيادة.
  • يجب ألا تؤثر المعايشة على إهمال المربي لنفسه ويتخلى عن رغبته في الارتقاء في ظل مخالطة المتربي وتوجيهه وتقديم النصيحة له قد يجعله ينسى  نفسه الذي يجب عليها الارتقاء بها مما قد يصل إلى أن يصبح رصيده منتهي في يوم من الأيام، لذلك يجب على المربي أخذ حذره من هذا الأمر، ومن اللازم عليه الارتقاء بنفسه بغض النظر عن اهتمامه بالمتربي، فلا يجب أن ينسى حياته ونفسه وتطوره.
  • الابتعاد عن الدخول مع المتربي في الخصوصيات، حيث أن جميع الأشخاص لديهم شخصية خاصة بهم، وهناك الكثيرين لا يحبون أن يتدخل أحد فيها، ويظهر ذلك في قول الله تعالى” يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم”، لذلك يجب على المربى ألا يتدخل بشكل كبير في حياة المتربي خاصة إذا كان من النوع الذي لا يحب التدخل في خصوصياته.
  • عدم إهمال الواجب الشرعي الذي ينص عليه الدين الإسلامي، حيث أن العلاقة المتواجدة بين المربي والمتربي قد تؤدي إلى السفر سويا أو المبيت سويا مما قد ينتج عنه أشياء غير سليمة، لذلك يجب على المربي أخذ حذره من هذا الأمر، وعدم التطرق إلى أشياء تؤدي إلى إخلال العلاقة بينه وبين المتربي، ويجب عليه استغلال وقته في الاهتمام بذاته ودراسته. 
  • عدم التجاوز في الهزار والمزح بين المربي والمتربي لأن ذلك قد يؤدي إلى حدوث أي تجاوز وأشياء غير محمودة، لذلك يجب على المربي ألا يخرجه الهزار مع المتربي عن وقاره وهيبته حتى لا تضيع في وسط هذا اللغو والهزار.
  • التقليل من اللقاءات الفردية بين المربي والمتربي بعيدا عن برنامج عام يتم وضعه من قبل، حيث أن الموضوع قد يتحول إلى علاقة شخصية تؤثر بشكل كبير على عملية المعايشة التربوية.
المعايشة التربوية والعزلة القلبية

تواجد المربي بين المعايشة التربوية والعزلة القلبية

  • تحدث الدكتور “سلمان العودة” في حديث له قائلا إن العزلة القلبية هي أن الشخص المؤمن بالله والملتزم بالمنهج الإسلامي الصحيح حتى إذا كان يخالط الناس ويعاشرهم فهو يظل متعلق بالله عز وجل في داخله..
  • المنهج الإسلامي الصحيح بداخل قلبه فلا يهتم بالبدن أو الدنيا، ولا يتبع هواه في أي أمر يشعر به وقد يبعده عن طريق الحق الذي يؤدي به إلى الجنة.
  • في حالة مخالطة المربي للمتربين، هذا لأنه يريد أن يأخذهم من الطريق الخاطئ إلى الطريق الصحيح حتى يأخذ بأيديهم إلى طريق الهدى ويبعدهم عن الضلال حتى يكون طريقهم إلى الجنة.
  • حيث يقوم المربي بدعوة المتربي إلى السنة ويقوم بتوجيه بشكل لين بعيد عن التعصب أو أي شيء يخيف المتربي، حيث يسير على طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك قد يؤدي إلى نتيجة إيجابية داخل الأشخاص سواء المربي أو المتربي، وكل ذلك باللسان فقط.
  • المخالطة المقصودة بين المربي والمتربي يثير في قلب الطرفين شعور جميل خاصة للمربي الذي يشعر أنه يقدم الخير للناس، ويتأثر بأعمالهم ويتدخل في حياتهم وإصلاحها إلى الأفضل. 
  • ويكتسب المربي أيضا فوائد كثيرة له، حيث يصبح قريبا من الله بشكل أكبر، ويكتسب الكثير من الخبرة التي تزيد من خبرته المعتادة، ويزيد من خصائصه الجيدة وينتفع بالتجارب التي تزيد من غريزته العقلية.
  • يشعر المربي بعزة نفس وحب الناس وحب الله له في ظل عمل خير خاص بالمتربي، والقدرة عن إبعاد المتربي عن أي انحرافات والقدرة على علاجهم بشكل أمثل، مما يجعله يذوب في المجتمع ويصبح واحد منهم.
  • هذا الأمر يسبب الجمع بين أمرين وهما العزلة والخلطة، حيث أن الخلطة تكون بالجسد، بينما العزلة تكون بالقلب، وذلك يتضمنه قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه حين قال “خالطوا الناس وزايلوهم وصافحوهم، ودينكم لا تكلموه”.

أوضحنا في هذا المقال كل ما يخص المعايشة التربوية وفوائدها وأهميتها وطرق تنفيذها وكل ما يخصها حتى يكون جميع الأفراد على علم بها، وذلك لأن التربية عملية صعبة تحتاج إلى أسلوب معايشة مع الأشخاص المقربين حتى يتم  بناء الفرد بشكل كامل، ويمكن أن يتم ذلك من خلال لقاء أو جلسة تتم كل أسبوع أو مناسبة أو محاضرة أو أي أمر يتم فيه مناقشة الصفات الحسنة التي يجب تنميتها والصفات السيئة التي يجب التخلص منها.

شارك

الوسوم

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top