غرس القيم الدينية والتربوية وبناء الإنسان

من بلاغة القرآن الكريم

تعدد الأوجه البلاغية في الآية الواحدة

فاشتمال الآية على عدة أنواع من البلاغة، حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [سورة النمل:18]. ففيها عشرة أجناس من الكلام؛ نادت، ونبّهت، وسمّت، وأمرت، ونصّت، وحذّرت، وخصّت، وعمّت، وأشارت، وأعذرت”.

أما نادت ففي قوله “يَا”، وأما نبّهت “أَيُّهَا”، وسمّت “النَّمْلُ”، وأمرت “ادْخُلُوا”، ونصّت “مَسَاكِنَكُمْ” تحديداً، وحذّرت “لَا يَحْطِمَنَّكُمْ” ، وخصّت “سُلَيْمَانُ”، وعمّت “وَجُنُودُهُ”، وأشارت “وَهُمْ”، وأعذرت، بينّت العذر “لَا يَشْعُرُونَ”.

وعن الأصمعي أنه سمع جارية أعرابية تنشد شعراً حسناً فقال لها: قاتلكِ الله ما أفصحكِ.

فقالت له: أويُعد هذا فصاحة مع قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [سورة القصص:7].

فجمع في آية واحدة بين خبرين، وأمرين، ونهيين، وبشارتين.

فالخبران: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى وقوله: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ، والأمران: أَرْضِعِيهِ وفَأَلْقِيهِ، والنهيان ووَلَا تَخَافِي ووَلَا تَحْزَنِي ، والبشارتان: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [سورة القصص:7].

لا تخافي عليه الهلاك من الإلقاء في اليمّ، ولا تحزني على فراقه[13].

الخوف توقع المكروه، الحزن حالة نفسية تنشأ عن فوات محبوب، فقد حبيب، لا تخافي، ولا تحزني.

ما هو الفرق بين الخوف والحزن؟ ولماذا في أم موسى؟ لهذين الأمرين.

إخبار القرآن بكثير من الغيبيات الماضية والمستقبلة

ومن عجائب القرآن إخباره بكثير من الغيبيات الماضية والمستقبلة التي لم يشهدها النبي ﷺ ولا عرفها قومه قطعاً، تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا [سورة هود:49].

هذا القرآن، فأخبره بغيوب ماضية غابت عنهم، ما اطلعوا عليها، ومستقبلية، بعضها تحقق في عهدهم، وبعضها تحقق في عهدنا، أو سيتحقق مستقبلاً.

فمن الغيب المستقبلي الذي تحقق في عهدهم قوله تعالى: الم ۝ غُلِبَتِ الرُّومُ ۝ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ۝ فِي بِضْعِ سِنِينَ [سورة الروم:1 – 4]. فغَلبت الفرس الروم على بلاد الشام، ثم ظهرت الروم بعد ذلك بعد تسع سنوات.

وتأمل قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ [سورة الشورى:32].

العلم هو الجبل، أكبر سفينة في الزمن السابق، سفينة نوح كان فيها معجزة لنوح ، السفن الأخرى التي صنعها البشر ما هي أكبر سفينة؟ كم حجمها؟

لكن في العصر الحديث حاملات الطائرات، وناقلات البضائع، الشحن البحري، أنت إذا اقتربت بزورقك الصغير من ناقلة نفط أو شاحنة حاويات أو حاملة طائرات، تأمل قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ كالجبل، أنت فعلاً إذا اقتربتَ منها ترى مثل الجبل.

مثل هذا الحجم ما كان مخترعاً من قبل؟ هذا وجد الآن في هذا الزمن.

وما حصل في عهد الصحابة من الغيب المستقبلي: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ [سورة الفتح:27].

يقول عمر: ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطّوف به؟

قال: أخبرتك هذا العام؟ فإنك آتيه ومطّوف فيه[14].

وحصل، وهذا له أمثله.

Facebook
WhatsApp
Twitter
Pinterest
Reddit
Telegram
Email
Print

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top