غرس القيم الدينية والتربوية وبناء الإنسان

عجائب القرآن: مناسبة الألفاظ للأحوال.

زيادة اللفظ التي تنتج زيادة معنى، كما ذكر في قصة ذي القرنين مع القوم المستضعفين من يأجوج ومأجوج، حيث قال: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ۝ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [سورة الكهف:96، 97].

لو قيل لإنسان أن يعبر -هو مهندس- عن عملية بناء سدّ، ومراحل البناء، والخطة المتخذة، وتعليم الجهلة علم الصناعة مع الدفع والتحفيز والتشجيع، ما يمكن أن يأتي بها بنفس هذه الكلمات الموجزة التي تشتمل على كل المعاني.

آتُونِي اشتغلوا، آتُونِي مع أن عنده قدرة لكن يريد أن يدفعهم للعمل زُبَرَ الْحَدِيدِ قطع الحديد، حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ هم يعملون وهو يعمل، وكل واحد له دور، وهو غني عنهم، ولكن يريد أن يعلمهم وأن يحفّزهم للعمل وأن يخرج من تلك الأمة الجاهلة المظلومة المعتدى عليها المستضعفة الذليلة المهانة، يخرج منهم صنّاعاً يعرفون قيمة نعمة الله، وفضل الله، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا.

متى هو يعمل ومتى هم يعملون؟ متى يأتي دورهم ومتى يأتي دوره؟ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا.

فعليهم البحث والجمع والجلب ورؤية الخطة كيف تنفّذ وهم يدخلون معه في المراحل، ولا ينتهي دورهم في أول الأمر، مع أول الأمر خرجوا، لا، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا [سورة الكهف:96] .

ثم تأمل قوله: فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [سورة الكهف:97].

الأولى قال: فَمَا اسْطَاعُوا بدون التاء، وفي الثانية قال: وَمَا اسْتَطَاعُوا بزيادة التاء.

أيهما أبلغ، اسطاعوا أو استطاعوا؟

الجواب: “استطاعوا” أبلغ؛ لأنه زاد فيها التاء، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، زيادة مبنى الكلمة، زيادة التاء في هذه تدل على معنى إضافي أكثر من قوله: “اسطاعوا”.

فإذن الاستطاعة أبلغ وأقوى، لماذا؟ لا بد أن تناسب كل واحدة ما أمامها، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ أن يظهروا يتسلقوا عليه، وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا حفره ونقبه ما استطاعوا، فأيهما أصعب؟ التسلق عليه أو حفره ونقبه؟

الجواب: حفره ونقبه أصعب ولا شك؛ لأن هذه السبيكة المكونة المشكلة من حديد ملبّس بالنحاس، التي هي أقوى السبائك في العالم اختراقها شبه صعب جداً جداً، أما التسلق عليها والظهور عليها فهو أقل صعوبة، وإن كان صعباً أيضاً، ولذلك قال: فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [سورة الكهف:97].

فقابل كلاً بما يناسبه لفظاً ومعنى، واستطاعة نقب السد أقوى من استطاعة تسلقه.

عجائب الاستعمال في ألفاظ القرآن الكريم

ومن عجائب القرآن أن كل لفظة منه لها في محلها فائدة ليست حاصلة لو استعملت في غير ذلك المحل.

وقال ابن قتيبة -رحمه الله: “وقد قال قوم بقصور العلم وسوء النظر في قوله تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ [سورة الكهف:17].

فجاء هؤلاء أو بعض قصار النظر من الذين أوتوا من جهلهم، قال: وما فائدة هذا الكلام؟ وما في الشمس إذا مالت بالغداة والعشي عن الكهف من الخبر؟

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [سورة الكهف:17].

فكأن بعضهم من جهلهم أن قالوا: ما الجديد في هذا الكلام؟ هذا معروف أن الشمس إذا طلعت ذات اليمين، وإذا غربت ذات الشمال.

قال: “وإنما أراد الله  أن يعرفنا لطفه بالفتية وحفظه إياهم في الهجع، واختياره لهم أحسن المواضع للرقود، فأعلمنا أنه بوأهم كهفاً في مقنأة الجبل -“مقنأة الجبل” الموضع من الجبل الذي لا تصيبه الشمس -مستقبلاً بنات العرش -النجوم مجموعة النجوم المعروفة – فالشمس تزورُّ عنه وتستدبره طالعة وجارية وغاربة، ولا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرّها، وتلفحهم بسمومها، وتغير ألوانهم وتبلي ثيابهم، وأنهم كانوا في فجوة من الكهف – يعني متسع منه – ينالهم فيه نسيم الريح وبرده، وينفي عنهم غمّة الغار وكربه”[12].

فإذن، ليس الكلام كما يتصور البعض تحصيل حاصل، لا، هناك معانٍ جليلة عظيمة كثيرة متنوعة تبين لطف الله بهؤلاء الذين آمنوا به، وإحسان الله إليهم كما أحسنوا.

Facebook
WhatsApp
Twitter
Pinterest
Reddit
Telegram
Email
Print

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top